الاميرة فاطمة اسماعيل ... صاحبة الفضل فى بناء جامعة القاهرة
ساندت المرأة المصرية قضية التعليم على مدار عصورها فى سبيل النهوض بالمجتمع ، وارتبطت النهضة النسائية فى مسيرتها الطويلة التى امتدت قرابة القرن ونصف القرن ، بقضايا مجتمعية طرحتها ضرورات التقدم ، وكان من بين ما شهدته هذه النهضة هو تعليم البنات ، تلك النهضة التى ساهمت فيها وبشكل أساسى إلى الآن الأميرة فاطمة إسماعيل – تلك السيدة التى كانت سبباً وإحدى عوامل النهضة النسائية فى العصر الحديث ، وكانت واحدة ممن مهدن طريق المشاركة أمام المرأة المصرية .
والأميرة فاطمة إسماعيل هى إحدى بنات الخديوى إسماعيل ، تزوجت عام 1871 من الأمير طوسون بن محمد سعيد باشا والى مصر ، وقد تميزت فى حياتها وبين أخواتها بحبها للعمل العام والتطوعى ، فحرصت على المساهمة فى أعمال الخير ورعاية الثقافة والعلم ،وقد نقلت هذه الثقافة وتأثر بها ابنها الأمير عمر طوسون الذى كان أكثر أمراء أسرة محمد إقبالاً على العمل العام .
عرفت الأميرة فاطمة إسماعيل عن طريق طبيبها أن هناك مجموعة من الصعوبات التى تعانى منها جامعة القاهرة ، فقررت تجاوبا مع الحركة الوطنية ورعاية للعلم وتشجيعا للعلماء ، بوقف مساحة من أراضيها وتبرعت بحوالى 6 أفدنة لإقامة مبنى للجامعة الأهلية ( القاهرة الآن ) ، ووهبت مجوهراتها الثمينة للإنفاق على تكاليف البناء ، فأوقفت ستة أفدنة خصتها لبناء دار للجامعة، هذا بخلاف 661 فدانا من أجود الأراضى الزراعية بمديرية الدقهلية، من ضمن 3357 فدانا خصصتها للبر والإحسان وجعلت للجامعة من صافى ريعها ( ريع 3357 فدانا و4 قيراطا و14 سهما ) ،40% بعد خصم استحقاقات ومرتبات يبلغ مجموعها 5239 جنيها كل سنة ، وقدر إيراد هذه الوقفية بميزانية الجامعة بمبلغ 4000 جنيها سنويا .
وأعلنت الأميرة فاطمة أن سائر تكاليف البناء سوف تتحملها كاملة والتى قدرت وقتها بمبلغ 26 ألف جنيه ، وقامت بعرض جواهرها وحليها للبيع ، بعدما أهدتها للمشروع وكلفت إدارة الجامعة أن تتولى بيعها وفقا لما يترائ لمصلحة الجامعة .
فعندما عرضوها بالجامعة لم يتم التوفيق فى بيعها ، فاتخذوا قرارا بأن يعرضوها للبيع خارج القطر المصرى وتشتمل هذه الجواهر على ما يأتى :
- عقد من الزمرد ، يشتمل على قطع ، حول كل قطعة أحجار من الماس البرلنت أصله هدية من المرحوم السلطان عبد العزيز ، إلى ساكن الجنان المغفور له إسماعيل باشا .
- أربع قطع موروثة من ساكن الجنان المغفور له سعيد باشا ، وهى :
- سوار من الماس البرلنت ، تشتمل على جزء دائرى ، بوسطه حجر ، وزنه تقريبا 20 قيراطا ، حوله 10 قطع كبيرة ، مستديرة الشكل ، والسلسلة التى تلتف حول المعصم ، مركبة عليها 18 قطعة كبيرة ، 56 قطعة أصغر منها حجما ، وكلها مربعة الشكل .
- ريشة من الماس البرلنت على شكل قلب يخترقه سهم ، مركب عليها حجارة مختلفة الحجم .
- عقد يشتمل على سلسلة ذهبية ، تتدلى منها ثلاثة أحجار من الماس البرلنت ، وزن الكبير منها تقريبا 20 قيراطا ، والصغيران يقرب وزن كل منهما من 12 قيراطا .
- خاتم مركب عليه فص هرمى من الماس يميل لونه إلى الزرقة .
وكانت الجامعة قد أوكلت للدكتور محمد علوى باشا ( طبيب الأميرة فاطمة ) عملية بيع المجوهرات ، وتمكن محمد علوى باشا من بيعها بسعر مناسب جدا عاد على الجامعة بالنفع الكبير ، فقد بلغ إجمالى بيعها حوالى 70000 جنيها مصريا على التقريب ، وقد تم الاتفاق مع راغب الشراء والذى أناب عنه بنك الأنجلو إجيبشيان بمصر ، ليتسلم الجواهر ، ويدفع الثمن ، ولكن هذا البنك أراد أن يتسلم الجواهر بغير تعيين نوعى لها ، ولا تقدر ثمنها ، فرفضت الجامعة التسليم بهذه الكيفية ، إلى أن كتب للجامعة بما فيه رفع المسئولية عنها بمجرد التسليم للبنك ، فيتم تسليم الجواهر وتسلم الثمن .
ومن فيض كرم الأميرة فاطمة إسماعيل أنها أعلنت تحملها كافة نفقات حفل وضع حجر الأساس ، والذى كان سيحمل الجامعة نفقات كبيرة ، وخاصة أن الخديوى عباس حلمى الثانى كان قد أعلن أنه سيحضر حفل الافتتاح هو والأمير أحمد فؤاد ، وقد نشرت إدارة الجامعة بيانا فى جميع الجرائد اليومية المحلية تحت عنوان ( نفقات الاحتفال بوضع حجر الأساس لدار الجامعة ) ، وهذا نصه :
( أبت مكارم ربة الإحسان ، صاحبة العصمة ، ودولة الأميرة الجليلة فاطمة هانم أفندم ، كريمة المغفور له إسماعيل باشا الخديو الأسبق ، إلا أن تضيف أية جديدة من آيات فضلها ، فأمرت بأن تكون جميع نفقات الحفلة ، التى ستقام لوضع حجر الأساس لدار الجامعة ، فى إرسال تذاكر الدعوة ، ونظرا لتنازل الجناب العالى بوعد سموه بتشريف هذه الحفلة قد أوصت دولتها بمزيد العناية بترتيب الزينة ، مما يليق بمقام سمو الأمير عزيز مصر ، ومجلس إدارة الجامعة ، لا يسعه تلقاء هذه المآثر العديدة إلا تقديم عبارات الشكر الجزيل ، بلسان الأمة ، على النعم الكثيرة ، التى أغدقتها صاحبة هذه الأيادى البيض فى سبيل العلم ، ويسأل الله أن يطيل حياتها ، ويتولى مكافآتها عليها بالإحسان ) .
الخديوى عباس حلمى الثانى ومعه كبار رجال الدولة فى حفل وضع حجر الاساس الاول للجامعة المصرية الاهلية
|
وشاركت الأميرة فاطمة إسماعيل فى وضع حجر الأساس للجامعة ، وتوفيت عام 1920 ، اى قبل أن ترى صرح الجامعة ومنارتها التى قدمتها للعلم فى مصر والوطن العربى .
وفى عام ( 1347هـ - 1928م ) التحقت المرأة بالجامعة المصرية ، وكان وقف الأميرة سبباً رئيسياً فى فتح الطريق أمام المرأة المصرية للمشاركة .